تحول استراتيجي- رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا وآفاق إعادة الإعمار

يمثل إعلان الرئيس دونالد ترامب في شهر مايو/أيار من العام 2025، بشأن رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على الجمهورية العربية السورية، منعطفًا بالغ الأهمية وتحولًا استراتيجيًا لافتًا في السياسة الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط بأسرها، وذلك على مدار العقود القليلة الماضية.
هذه الخطوة، والتي تجسدت في حزمة متكاملة وشاملة الأبعاد تستهدف تخفيف العقوبات، من خلال "الترخيص العام رقم 25" الصادر عن وزارة الخزانة الأمريكية، بالإضافة إلى الإعفاء الذي منحته وزارة الخارجية بموجب "قانون قيصر" لمدة زمنية قدرها 180 يومًا، تعكس بكل وضوح تحولًا جوهريًا وعميقًا من السياسة القائمة على العزلة الاقتصادية طويلة الأمد، إلى تبني نهج أكثر تعقلاً وروية يهدف إلى إعادة الاندماج التدريجي.
وعلى الرغم من الآفاق الاقتصادية الواعدة والفرص الاستثمارية الهائلة التي تنطوي عليها هذه السياسات الجديدة بالنسبة لسوريا، إلا أنها في المقابل تفرض تحديات جمة ومعقدة على الصعيد القانوني والسياسي والتنفيذي، والتي من شأنها أن تلقي بظلالها على مستقبل العلاقات الأمريكية السورية والاستقرار الإقليمي لسنوات مديدة قادمة.
التطور التاريخي لهيكل العقوبات الأميركية (1979–2025)
إن التطور الذي شهده نظام العقوبات الأمريكية على سوريا يمثل تجسيدًا حيًا للتصعيد المتدرج في استخدام أساليب الإكراه الاقتصادي، بدءًا من إجراءات محدودة النطاق خلال حقبة الحرب الباردة، وصولًا إلى فرض واحدة من أشد آليات العزل الاقتصادي قسوةً وصرامةً في التاريخ المعاصر للعلاقات الدولية.
أولًا: مرحلة التأسيس (1979- 2003)
بدأت فصول قصة العقوبات الأمريكية على سوريا في شهر ديسمبر/كانون الأول من العام 1979، عندما قامت الولايات المتحدة بتصنيف سوريا كدولة راعية للإرهاب، وهو تصنيف استمر دون انقطاع على مدار أكثر من أربعة عقود متتالية.
وقد جاء هذا التصنيف في خضم تصاعد حدة التوترات الإقليمية التي أعقبت تثبيت الرئيس حافظ الأسد لسلطته عبر انقلاب داخلي في عام 1970. وكان الدعم السوري المعلن للفصائل الفلسطينية، وموقفها الرافض والقائم بالأساس على معارضة المصالح الغربية، إضافة إلى اصطفافها الواضح إلى جانب الاتحاد السوفياتي، بمثابة الدوافع الرئيسية لاتخاذ هذا التصنيف.
في تلك الحقبة، كانت العقوبات محدودة نسبيًا، واقتصرت على تقييد المساعدات الأمريكية، وفرض حظر على الصادرات الدفاعية والعسكرية، بالإضافة إلى وضع ضوابط مشددة على صادرات المواد ذات الاستخدام المزدوج. وقد شكلت هذه الإجراءات في الواقع اللبنة الأولى التي أتاحت المجال للتوسع في فرض المزيد من العقوبات لاحقًا.
ويجدر بنا الإشارة والتنويه إلى أن سوريا ظلت الدولة الوحيدة المستمرة على هذه القائمة منذ تأسيسها في عام 1979 وحتى تاريخ رفع العقوبات عنها في عام 2025.
ثانيًا: مرحلة التوسع التشريعي (2003- 2011)
لقد أثمرت الأجواء الدولية التي سادت في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، وما تبعها من سياسات توسعية تبنتها إدارة الرئيس جورج بوش الابن في منطقة الشرق الأوسط، عن تشديد كبير وملحوظ لنظام العقوبات المفروضة على سوريا.
فقد قام الرئيس بوش بالتوقيع في شهر مايو/أيار من العام 2004 على الأمر التنفيذي رقم 13338، وذلك تنفيذًا لـ "قانون محاسبة سوريا واستعادة السيادة اللبنانية" الصادر في العام 2003. ومثّل هذا الإجراء تحولًا بارزًا ومفصليًا في الاستراتيجية التي تتبناها الولايات المتحدة في فرض العقوبات، من مجرد أدوات تستخدم لتحقيق مصالح أمنية إلى وسيلة للضغط الاقتصادي واسعة النطاق.
في ذلك الوقت، شملت العقوبات فرض حظر شبه كامل على الصادرات الأمريكية إلى سوريا (باستثناء المواد الغذائية والأدوية)، وقيودًا صارمة على القطاع المصرفي السوري، مع تصنيف المصرف التجاري السوري كمؤسسة تثير القلق في مجال مكافحة عمليات غسل الأموال، الأمر الذي أدى إلى قطع علاقاته مع المصارف الأمريكية. وقد ساهمت هذه العقوبات بشكل فعال في ترسيخ مفهوم العزلة المالية كأداة رئيسية في السياسة الأمريكية تجاه سوريا.
وقد استندت هذه العقوبات إلى جملة من الاتهامات التي تضمنت دعم الإرهاب، والتدخل السافر في الشؤون اللبنانية، وتطوير أسلحة غير تقليدية. وعلى الرغم من محدودية العلاقات الاقتصادية الثنائية في ذلك الوقت، والتي لم تتجاوز قيمتها 300 مليون دولار سنويًا في عام 2004، إلا أن هذه الإجراءات تجاوزت التأثير الاقتصادي المباشر لتمتد إلى التأثير السياسي والرمزي.
ثالثًا: مرحلة الحظر الشامل (2011- 2020)
مع اندلاع شرارة الثورة الشعبية في سوريا في شهر مارس/آذار من العام 2011، تبنت إدارة الرئيس باراك أوباما سياسة تصعيد تدريجية ضد نظام الرئيس بشار الأسد، والتي بدأت بإصدار الأمر التنفيذي رقم 13572 في شهر أبريل/نيسان من العام ذاته، والذي وسّع حالة الطوارئ المفروضة سابقًا، مستهدفًا المسؤولين المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان.
وسرعان ما تبع ذلك الأمران التنفيذيان 13573 و13582، حيث شكّل الأمر الأخير (الصادر في أغسطس/آب 2011) حجر الزاوية لفرض حظر اقتصادي شامل.
تضمن هذا القرار تجميد كافة أصول الحكومة السورية، وحظر التعامل الاقتصادي مع الكيانات الحكومية السورية، ووقف جميع الاستثمارات الأمريكية في سوريا، إضافة إلى حظر استيراد النفط السوري. وبذلك، تم قطع كافة العلاقات الاقتصادية الرسمية بين البلدين بصورة شبه كاملة. وفي عام 2012، تبع ذلك إصدار أوامر تنفيذية إضافية استهدفت أفرادًا وكيانات محددة، متورطة في ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان.
رابعًا: قانون قيصر (2020- 2025)
في عام 2020، دخل "قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين" حيز التنفيذ الفعلي، والذي وقّعه الرئيس ترامب في أواخر العام 2019.
لقد أحدث هذا القانون نقلة نوعية بكل ما تحمله الكلمة من معنى في بنية العقوبات، حيث امتد نطاقه ليشمل كيانات وأفرادًا أجانب، ممن يقدمون الدعم للنظام السوري عسكريًا أو يشاركون بأي شكل من الأشكال في جهود إعادة الإعمار.
وقد أدى قانون قيصر بشكل ملحوظ إلى خلق حالة من الخوف والتردد لدى الشركات والمؤسسات الدولية، التي باتت تتجنب الانخراط في أي نشاط تجاري واقتصادي مع سوريا؛ خشية التعرض للعقوبات الأمريكية، الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى تعميق عزلة سوريا الاقتصادية على الصعيد الدولي.
خامسًا: رفع العقوبات
جاءت مبادرة تخفيف العقوبات إثر إعلان مفاجئ وغير متوقع من قبل الرئيس ترامب في 13 مايو/أيار 2025، وذلك خلال فعاليات انعقاد قمة مجلس التعاون الخليجي في العاصمة السعودية الرياض، حيث أشار ترامب صراحةً إلى نيته "وقف العمل بالعقوبات المفروضة على سوريا لمنحها فرصة حقيقية للتقدم والازدهار"، واصفًا تلك العقوبات بأنها "معيقة للغاية وشديدة القوة".
وقد تبنت إدارة الرئيس ترامب نهجًا أكثر مرونة لا يقوم على الإلغاء الكامل للعقوبات، بل يتيح تخفيفًا فوريًا ومباشرًا مع الحفاظ على إمكانية إعادة تطبيقها إذا ما ساءت الأوضاع وتدهورت الأمور.
وقد أكد وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت على أن "الوزارة تعمل وفق تفويضات جديدة تهدف في جوهرها إلى تشجيع الاستثمار في سوريا"، مشددًا في الوقت ذاته على أن "سوريا مطالبة بالمضي قدمًا وبخطوات واثقة نحو التحول إلى دولة مستقرة وآمنة".
سادسًا: الترخيص الاقتصادي الشامل
في 23 مايو/ أيار 2025، أصدر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) التابع لوزارة الخزانة الأمريكية، الترخيص العام رقم (25) GL 25، والذي يمثل في واقع الأمر أكبر خطوة ملموسة نحو تخفيف العقوبات على سوريا منذ ما يزيد على عقد كامل من الزمن.
يُعلّق هذا الترخيص بشكل أساسي غالبية العقوبات السابقة التي نصّت عليها لوائح العقوبات السورية، الأمر الذي يسمح بإجراء نطاق واسع النطاق من التعاملات المالية التي كانت محظورة بموجب هذه العقوبات.
يشمل الترخيص ثلاثة مجالات رئيسية ذات أهمية بالغة: السماح بتصدير الخدمات المالية المتنوعة إلى سوريا، وفتح آفاق واسعة أمام فرص استثمارية جديدة، والسماح بالمعاملات المتعلقة بالنفط السوري ومشتقاته النفطية.
كما يشمل الترخيص الحكومة السورية بقيادة أحمد الشرع، بالإضافة إلى 28 كيانًا رئيسيًا مدرجًا في ملحق الترخيص، من بينها مؤسسات مصرفية كبرى مثل البنك المركزي السوري، والمصرف التجاري والصناعي والعقاري والزراعي، بالإضافة إلى مصرف الادخار.
وتعتبر هذه المؤسسات المصرفية والمالية ضرورية جدًا لإعادة بناء الثقة المالية، وإدارة الرواتب الحكومية، وتشغيل المرافق العامة التي تخدم المواطنين.
وفي سياق الجهود المبذولة لإعادة دمج النظام المالي، شكّل الترخيص العام رقم 25 اختراقًا كبيرًا للعزلة المالية الطويلة التي عانت منها سوريا، حيث رفع القيود المفروضة على العديد من المؤسسات المالية الحيوية، وعلى رأسها مصرف سوريا المركزي، الذي حُرم سابقًا من الوصول إلى النظام المالي الدولي والعملات الأجنبية.
وفي إجراء مكمل، أصدرت شبكة إنفاذ الجرائم المالية (FinCEN) إعفاءً خاصًا، بموجب قانون باتريوت، يسمح للبنوك الأمريكية بفتح حسابات مراسلة مع المصرف التجاري السوري بعد إغلاق استمر منذ شهر أبريل/نيسان من العام 2006. هذه الخطوة من شأنها أن تسهّل إعادة الاتصال بين القطاع المصرفي السوري والدولي وتحدّ من التعقيدات القانونية المتعلقة بالامتثال.
الإعفاء من قانون قيصر: القيود القانونية والاستجابة التنفيذية
يختلف قانون قيصر في طبيعته القانونية عن العقوبات التنفيذية التي تصدر بقرارات رئاسية عليا، والتي يمكن تعديلها أو تعليقها بسهولة ويسر أكبر؛ إذ يُعتبر قانون قيصر تشريعًا صادرًا عن الكونغرس الأمريكي، الأمر الذي يتطلب تدخّلًا تشريعيًا صريحًا لإلغائه بصورة نهائية لا رجعة فيه.
وقد أقر وزير الخارجية ماركو روبيو صراحةً بهذا الواقع القانوني القائم، موضحًا أن الإعفاءات الحالية محدودة بفترة زمنية محددة مدتها 180 يومًا فقط، داعيًا في هذا السياق إلى ضرورة تحرّك تشريعي جاد يضمن الإنهاء الدائم لهذه العقوبات.
وقد أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية إعفاءً مؤقتًا لمدة 180 يومًا، يوفر غطاءً قانونيًا للمشاركين من غير المواطنين الأمريكيين في الأنشطة الاقتصادية التي يسمح بها الترخيص العام رقم 25.
وأوضح الوزير روبيو أن الهدف الأساسي من هذه الخطوة هو تشجيع الاستثمار وزيادة التدفقات المالية التي تدعم توفير الخدمات الأساسية وجهود إعادة الإعمار في سوريا، مؤكدًا في الوقت ذاته التزام الولايات المتحدة الراسخ والكامل بمساندة الشعب السوري في بناء مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا.
ويوفر هذا الإعفاء المؤقت مساحة قانونية مهمة للانخراط الاقتصادي، مع الإقرار في الوقت ذاته بالتعقيدات السياسية والقانونية التي تواجه الحصول على إعفاء تشريعي دائم.
وعلى الرغم من اتساع النطاق الذي يغطيه الترخيص العام رقم 25، فإنه استثنى بشكل واضح وجلي المعاملات المتعلقة بكل من روسيا، وإيران، وكوريا الشمالية، بهدف منع هذه الدول من الاستفادة بشكل مباشر أو غير مباشر من إعادة فتح الاقتصاد السوري.
كذلك أبقى الترخيص على القيود المفروضة على مئات الأفراد والكيانات المُدرجة ضمن قائمة الأشخاص المحظورين (SDN)، والتي يرتبط معظمها بشكل مباشر أو غير مباشر بنظام الرئيس بشار الأسد.
وأكد الترخيص أيضًا أن تجميد الأصول أو الممتلكات المجمدة بتاريخ 22 مايو/أيار 2025 سيستمر كما هو، ما لم تصدر لاحقًا تراخيص خاصة تسمح بفك التجميد عنها.
اعتبارات مراقبة الصادرات
على الرغم من تخفيف القيود المالية واسع النطاق بموجب الترخيص العام رقم 25، فإن القيود المفروضة على صادرات السلع والتكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج، والتي يشرف عليها مكتب الصناعة والأمن (BIS) التابع لوزارة التجارة الأمريكية، ما تزال قائمة دون أي تعديل يذكر.
يُنشئ هذا الواقع التنظيمي بيئة قانونية متداخلة ومعقدة إلى حد كبير، إذ يُسمح بالتعاملات المالية بشكل عام، في حين تبقى القيود التقنية المتعلقة بالسلع والتكنولوجيا سارية وقائمة. ونتيجة لذلك، تواجه الشركات الراغبة في دخول السوق السورية تحديات إضافية كبيرة في الموازنة بين تيسير العقوبات المالية من جهة، والقيود المستمرة على الصادرات التقنية من جهة أخرى.
الأبعاد السياسية والإستراتيجية
تشكّل هذه السياسة الجديدة المتمثلة في تخفيف العقوبات تحولًا مهمًا في الاستراتيجية التي تتبناها الولايات المتحدة الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط، وتمثل أيضًا انتقالًا واضحًا من نهج العزلة العقابية إلى استراتيجية إعادة الدمج المدروسة بعناية فائقة، وذلك عبر توظيف الأدوات الاقتصادية المتاحة لتحقيق أهداف أمنية استراتيجية، دون التخلي بشكل كامل عن أوراق الضغط المتاحة.
وتساهم هذه السياسة بصورة فعالة في خلق مناخ استثماري ملائم قد يؤدي إلى تعزيز الاستقرار المحلي، وتوفير المزيد من الحوافز الاقتصادية التي تدعم الاستقرار المجتمعي وتقلّص بشكل ملحوظ من دوافع العنف.
ومن الناحية الجيوسياسية، تهدف هذه الاستراتيجية أيضًا إلى منح الشركات الأمريكية فرصة مبكرة للمشاركة الفعالة في إعادة الإعمار في القطاعات الحيوية والمهمة، مثل قطاعات النفط، والبناء، والاتصالات، والخدمات العامة، الأمر الذي قد يُساعد في موازنة النفوذ المتزايد لكل من روسيا، وإيران، والصين في مرحلة تعافي سوريا.
إطار المشاركة المشروطة
لقد تم تطبيق تخفيف العقوبات وفق إطار واضح ومحدد بشروط والتزامات معينة، حيث يشترط على الحكومة السورية الجديدة الالتزام التام بحماية حقوق الأقليات الدينية والإثنية المختلفة، وعدم توفير ملاذات آمنة للمنظمات الإرهابية.
وأكدت وزارة الخزانة الأمريكية في أكثر من مناسبة على أن هذه التسهيلات ستظل مشروطة بالالتزام التام بهذه الشروط، وأن الإدارة الأمريكية سوف تراقب عن كثب كافة التطورات على أرض الواقع مع احتفاظها بالحق الكامل في إعادة فرض العقوبات بكل صرامة إذا لم يتم الالتزام بالشروط المحددة مسبقًا.
كما تواجه المؤسسات المالية الدولية تحديات خاصة في إعادة بناء العلاقات مع القطاع المصرفي السوري، الأمر الذي يتطلب إجراء إصلاحات داخلية كبيرة لتعزيز الشفافية، وضمان الالتزام الكامل بالمعايير المالية الدولية المعمول بها.
ومن المتوقع أن تكون عملية إعادة دمج الاقتصاد السوري في النظام المالي الدولي تدريجية، وتعتمد بشكل أساسي على إعادة بناء الثقة المتبادلة، وإرساء آليات فعالة للمراقبة والتدقيق، وإدارة المخاطر المحتملة.
التداعيات والفرص الاقتصادية
يوفّر الترخيص العام رقم 25 فرصًا غير مسبوقة لمشاركة القطاع الخاص الأمريكي في جهود إعادة إعمار سوريا، وذلك عبر السماح بفتح استثمارات جديدة في كافة المجالات الاقتصادية بعد فترة طويلة من العزل الاقتصادي الذي طال أمده.
ويسهم هذا التطور الإيجابي في معالجة أزمة السيولة النقدية التي شهدتها سوريا جراء تجميد القنوات المصرفية الرسمية، واللجوء إلى القنوات غير الرسمية والنقد اليدوي لتسيير شؤون الاقتصاد اليومي للمواطنين. ويمكّن الترخيص المؤسسات العامة والخاصة من إعادة تشغيل آليات الدفع المصرفية، وأنظمة الرواتب، وبرامج التمويل المختلفة، وعمليات الإقراض.
وتواجه الحكومة السورية الجديدة في هذا الإطار مهمة حساسة للغاية فيما يتعلق باستعادة الثقة في النظام النقدي الوطني، من بينها التوجه نحو نقل إنتاج العملة من روسيا الخاضعة للعقوبات إلى اتفاقيات تعاون جديدة مع كل من ألمانيا والإمارات العربية المتحدة.
كما يمثل السماح بإجراء التعاملات المالية المتعلقة بالنفط السوري ومشتقاته النفطية أحد أبرز البنود الهامة في الترخيص العام رقم 25، إذ يفتح الباب بكل تأكيد أمام تدفقات مالية هامة يمكنها أن تدعم وبشكل ملحوظ موازنات الحكومة السورية. كما يوفر هذا الانفتاح فرصًا استثمارية واسعة النطاق وبأحجام كبيرة في قطاع الطاقة، ويؤسس في الوقت ذاته لإعادة إحياء العلاقات التجارية النفطية بين سوريا ومختلف الشركاء الدوليين.
الجدول الزمني للتنفيذ التدريجي
لقد تميّزت عملية تخفيف العقوبات بمنهجية تدريجية متأنية تُوازن بشكل دقيق بين المرونة التنظيمية والحذر الشديد في التطبيق العملي. حيث يتيح الإعفاء المؤقت المحدد بفترة زمنية قدرها 180 يومًا في إطار قانون قيصر القيام بمراجعة دورية من قبل الولايات المتحدة لمدى التزام الحكومة السورية الجديدة بالشروط المنصوص عليها.
ومع أن هذا النهج يسمح بقدر كبير من المرونة، فإنه يُبقي في الوقت ذاته على حالة من عدم اليقين والترقب، الأمر الذي يُعيق التخطيط الاستثماري طويل المدى.
وقد أعلن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) عن خططه لإصدار إرشادات إضافية حول تطبيق الترخيص العام رقم 25، الأمر الذي يؤكد أن عملية التنفيذ ستبقى متجددة وتتطلب إجراء تعديلات مستمرة بحسب التطورات المتلاحقة على أرض الواقع، مما يوفر آلية فعالة لتصحيح الأخطاء المحتملة، ولكنه في الوقت ذاته يعزز من حالة الغموض في المراحل الأولى من التطبيق الفعلي.
خاتمة: يشكّل قرار إدارة الرئيس ترامب برفع العقوبات الأمريكية عن سوريا نقطة تحول تاريخية فارقة في العلاقات الأمريكية السورية، ويمثل فرصة سانحة وكبيرة لنهوض الاقتصاد السوري من تحت الرماد.
ومن الناحية العملية، يعتمد نجاح هذه الخطوة بشكل أساسي على التوازن الدقيق بين ضمان امتثال الحكومة السورية الجديدة لكافة الشروط الأمريكية، وبناء الثقة بشكل تدريجي مع المؤسسات المالية الدولية الكبرى، وإدارة التنافس الجيوسياسي المحتدم مع القوى الإقليمية والدولية الأخرى الفاعلة.
كما تستلزم مواجهة التحديات البنيوية العميقة التي تواجه الاقتصاد السوري، وعلى الأخص إصلاح القطاع المصرفي بشكل شامل، واستعادة الثقة في العملة المحلية، وإعادة بناء البنية التحتية التي دمرتها الحرب.